أولاً : عن الإيجو
يمكن تمثيل “وعيك” أو إدراكك بمساحة دائرية نقية لا تشوبها شائبة. فهو جميل، وكامل، وينعم بالسلام. إنه “الأنا” التي في داخلك، تلك “الأنا” التي تتحكم بجسمك، وعقلك، وعواطفك. وهو حقيقة ما يمثله قولك “إنه أنا”. إنه حقيقة ما كنت عليه عند بداية حياتك. لهذا يمكن تمثيله رسماً بدائرة نقية متجانسة اللون.
وعيك الداخلي
لكنك إذا نظرت إلى دائرتك ستجد الكثير مما يشبه البقع الملونة التي تلطخ صفاءها. وذلك ما يغطي سلامك الداخلي. لقد دخل الإيجو الذي لديك على الخط، وبدأت الحياة تترك ندوبها، والسلام والجمال الداخلي لديك قد حجبته ندوب وجراح لا تحصى، وهي علامات قبيحة تغطي وعيك الحقيقي.
الإيجو يغطي وعيك ويحجبه
فما هي تلك البقع الملطخة التي تفسد كمالك؟
.
إنها تمثل تلك الأشياء الصغيرة التي تكتسبها من كونك أنت بما أنت عليه: الأشياء التي تعجبك، والتي لا تعجبك، تلك التي تحبها، وتلك التي تكرهها. إنها تاريخك الذي لا تستطيع التخلص منه. إنها ذكرياتك، آمالك، وأحلامك. إنها هواياتك الصغيرة،وتلك الأشياء التي تتصنعها. كل واحد من تلك الاشياء يمثل أثراً أو ندباً، و تجتمع تلك الندوب جميعها لتكون شخصيتك، الإيجو لديك، أو هويتك.
.
ولكن ما هي شخصيتك؟ أهو شيء أنت مخطئ بشأنه. إن الجميع تقريباً يخطئون بشأنه، فهم ليسوا أفضل حالاً. اسأل أي أحد عمن يكون، وسيخبرك على الأغلب باسمه، وعمره، وعمله، وعرقه، وجنسه، وتاريخ حياته، وأحلامه، وما يحبه وما لا يحبه. فالناس تعرف بنفسها من خلال تلك الأشياء.
.
وتلك كلها أجزاء من شخصيتك. وهي بالكاد “تتعلق بك”، لكنها ليست أنت. إنها تصفك فقط، لكننا بطريقة ما قد اختزلنا أنفسنا بهذه الصفات، بهذه التفاصيل الصغيرة.
.
لقد نسينا من نكون؛ لقد نسينا اللب والوعي الحقيقي الذي غطته كل تلك التفاصيل. وذلك أمر محزن، لأن هذا اللب يحتوي على كل ما نريد، وكل ما نبحث عنه في أهدافنا التي نسعى إليها- وهي السلام الذي لا يتزعزع والبهجة والفرح.
.
ستجد هذه الحقيقة كلما تطرقت إلى مواضيعي السابقة (حتى تلك المبنية على علم النفس الحديث منها) عن الغضب، أو الحزن، أو الصفح، أو السعادة أو غيرها من المشاعر والانفعالات :
.
إن عليك أن توقف الأفكار قبل أن تسبقك، و أن توقف المشاعر قبل أن تسيطر عليك، عليك أن توقف الإيجو عن أن يخبرك باستمرار بأن الأمور لا يجب أن تكون على ما هي عليه.
.
وذلك كله يقود إلى الفكرة نفسها: لا تسمح للإيجو أن ينغص على سلامك الداخلي.
.
وكل طرق التعامل مع النفس من الأديان القديمة إلى علم النفس الحديث تقوم على ذلك المبدأ، لكن كلاً منها يصفه فقط بأسلوب مختلف. وإما أن ينطبق عليها ذلك أو أنها ستكون جاهلة بالوعي الداخلي فلا تأتي على ذكره.
.
* مصدر الإيجو
.
من أين أتى “إيجوك”(الإيجو خاصتك) ؟
.
لقد نشأ إيجوك وتطور ليكون دوره هو التفاعل مع العالم الخارجي، أو يمكنك أن تقول أن العالم هو الذي ترك لك هذا الإيجو. وذلك العدد الذي لا يحصى من البقع والندوب التي تكوّن مجتمعة إيجوك قد تركته لك الحياة التي عشتها.
.
إن هناك ندوباً كثيرةً تشكل الإيجو. دعونا ننظر كيف يمكن لأحدها مثلاً أن يتشكل. لنقل أنك في طفولتك كنت تتعرض للاعتداء بالضرب من قبل مربيتك. فلا بد أن ذلك قد ترك أثراً أو ندباً يشكل واحداً من الندوب الكثيرة التي تشكل في النهاية إيجوك الحالي. فماذا ستكون النتيجة؟
.
ربما تكون نتيجة لذلك تكره تلقائياً كل امرأة تذكرك بها، أو ربما أصبحت تتبنى الضرب كممارسة معيارية مع كل طفل “مشاكس”.
.
قد يكون ذلك جزءاً كبيراً نسبياً من إيجوك، ولكن حتى الأولويات الصغيرة (مثلاً : لا أحب الجو البارد) وحتى الأشياء الجيدة قد تنشأ من إيجوك.
.
ما الذي أعنيه بذلك؟ لنقل أنك قمت مثلاً بالتبرع لأحد المحتاجين بدافع الطيبة والتعاطف، فذلك ليس سلوكاً إيجوياً، ولكن إذا قمت بالتبرع على أمل أن يعتبرك أحدهم إنساناً عظيماً، طيب النفس، فذلك مثلاً ينشأ من إيجوك.
.
.
* الإيجو يؤثر على إدراكك للأمور، وعلى ردات أفعالك
.
.
الإيجو الآن يغطي وعيك، ويقوم بتصفية (أو فلترة) كل ما تشعر به وتفعله. إن ذلك يشبه محاولة النظر من خلال نظارات تعرضت للرش بألوان مختلفة من الطلاء، لذلك لا يمكنك أن ترى أي شيء على حقيقته.
.
.
ولأن كل إيجو قد تشكل بطرق وأحداث مختلفة، فهذا يعني أنك لن ترى أي شيء بنفس الطريقة التي يراه بها شخص آخر. لهذا السبب يمكن لشخصين مختلفين أن ينظرا إلى الحدث نفسه ويخرجا بتفسيرين مختلفين تماماً؛ وهو السبب الذي يجعل شخصاً معيناً لا يتأثر نهائياً بحدث ما، بينما يقع الآخر في الكآبة بسبب الحدث نفسه.
.
دعونا نختلق مثالاً عن زوجين ولنسميهما “جون” و”فيفان” على سبيل المثال. ولنقل أنهما يعملان معاً في مشروع مشترك. ماذا لو انهار العمل في أحد الأيام وخسرا كل مدخراتهما. قد يكون جون منحدراً من عائلة ميسورة، حيث نشأ مؤمناً أن النقود تأتي بسهولة وبشكل طبيعي، ولذلك سيتعامل مع المصيبة بشكل جيد. فإيجو جون “يفلتر” الحدث ويخبره أن النقود ستعود قريباً. لكن فيفان قد تكون نشأت على أن الحصول على النقود صعب، ولذلك فستيأس وتنهار. لاحظ: الحدث نفسه.. وردات فعل مختلفة.
.
هذه المصافي (أو الفلاتر) تؤثر على الأمور الصغيرة أيضاً. فإذا شاهد جون وفيفان رجلاً وامرأة غريبين يتشاجران، فافتراضاتهم التلقائية ستقفز على الفور. فقد يفترض جون أن المرأة قد خانت الرجل. بينما قد تفترض فيفان أن الرجل يضرب المرأة في البيت. قد تكون الحقيقة شيئاً مختلفاً كلياً عن كل تلك الافتراضات، لكن ذلك لا يهم، فتاريخهما وإيجو كل منهما يقفز تلقائياً ليخبر كلاً منهما قصة ما.
.
* عندما تصبح الأشياء جزءاً من هويتك وتعريفك لذاتك
.
هذا جزء من الايجو أيضاً. والألم الذي يمكن أن تسببه هذه الأشياء واضح، ويمثل مصدراً للكثير من تعاستنا.
ما الذي أتحدث عنه؟
.
إنني أتحدث عن تعريف الإيجو من خلال الأشياء والناس والجماعات.
.
هل سبق لك أن رأيت طفلة مع دميتها الجديدة؟ إنها ستبكي إذا ما أخذت منها دميتها وستفعل أي شيء لتسترجعها. ولكنها إذا حصلت بعد بضعة أيام على دمية أخرى جديدة، فإنها لن تبالي أبداً بما حل بدميتها السابقة.
.
فما الفرق؟
.
لقد كانت الدمية الأولى جزءاً من إيجو تلك الطفلة، لقد كانت “لها”. وعندما أخذت الدمية منها، فإن الاستلاب من الإيجو هو ما سبب الألم لها ولم تكن خسارة الدمية نفسها، بدليل عدم مبالاتها بالدمية الأولى بعد حصولها على الثانية بعد أيام.
.
والأمر نفسه ينطبق علينا. فعندما نكبر، تفقد اللعبة أهميتها، لتحل مكانها صديقتنا الجميلة، أو زوجنا الوسيم، أو بيتنا الواقع على الشاطئ، أو حسابنا في البنك.
.
وهي ليست فقط أشياء مادية، فالإيجو في العادة يعرف نفسه أيضاً بجسم صاحبه، خصوصاً إذا كان الجسم قوياً أو جذاباً. وهناك أشكال أخرى للتعريف مثل الوضع الاجتماعي والسمعة.
.
أنا لا أقول أن التمتع بتلك الأمور هو خاطئ، لكن لا تجعل نفسك تتحدد من خلالها. لأنك متى فعلت ذلك، تكون قد زرعت بذور معاناتك. فلا يوجد شيء ثابت، وهناك فرصة لخسارة أي شيء مهما كان.
.
ويمكن أن تعرف أنك قد بدأت تتحدد من خلال شيء ما منذ اللحظة التي تشعر فيها بالانزعاج – مهما كان صغيراً- عند التفكير بإمكانية خسارة ذلك الشيء.
.
إذْ ما إن يتعرّف الإيجو من خلال شيء ما، حتى يصبح ذلك الشيء جزءاً من الإيجو تماماً كما هي الذراع جزء من الجسم. لذلك فإن سلب ذلك الشيء من الإيجو هو مؤذ للنفسية كما يؤذي قطع الذراع الجسد. فالإيجو هنا قد فقد جزءاً من نفسه.
.
هذا هو السبب الذي يدفع ببعض الناس إلى الانتحار بسبب خسارة الحب مثلاً – إذا أنهم يكونون قد عرفوا أنفسهم كلياً من خلال ذلك الحب حتى أدت خسارتهم له إلى ترك الإيجو مجرداً من كل شيء. (لقد أصبح الإنسان هنا مثلاً ينظر إلى ذلك الحب كجزء لا يتجزأ من نفسه وشخصيته وكيانه ومفهومه عن ذاته).
.
وهو السبب أيضاً وراء المبالغ الطائلة التي تجنيها صناعة التجميل – فملايين النساء قد عرفن أنفسهن بمظهرهن، أو بطريقة ما قمن بربط قيمتهن الفعلية والتي لا تنفصل عن ذواتهن بمظهرهن الخارجي.
.
ذلك هو السبب حقيقة وراء كون العالم يسير بالطريقة التي يسير بها، فالإيجو هو المعيار والأساس.
.
والأسوأ من كل ذلك هو أن الإيجو لا يمكن إشباعه لوقت طويل. فمهما كانت أهدافك في الحياة، فإنك ستحصل فقط على رضاً مؤقت عند تحقيقها، وبعدها سيجبرك الإيجو على أن تذهب وتبحث عن المزيد. وحتى لو أصبحت الأفضل في العالم في ما تريده، فإن إيجوك لن يرضى إلا لفترة محدودة جداً. وذلك يعني أنك لن تحظى بالسلام أبداً، وستبقى تبحث دائماً.
.
* قوة التفكير
.
لنعد إلى دائرتك التي كانت نقية ولطختها تلك البقع التي تعمل كالفلاتر وتشكل مجتمعة الإيجو.
.
تخيل نقطة صغيرة تقع خارج تلك الدائرة كلها، هذه النقطة تمثل “فكرة” ما. فإذا كنتَ مثلي ومثل 99,9% من الناس على الكوكب، فهذه الأفكار تأتي إلى وعيك باستمرار وخارجة عن أي سيطرة.
.
الفكرة تدخل إلى وعيك
فكل ما نفعله يبدأ بفكرة. وتمر هذه الأفكار من خلال فلاتر الإيجو، وتؤثر على أفعالنا. وأفعالنا تؤثر على طباعنا، وطباعنا تحدد شخصيتنا، وشخصيتنا تحدد مسار حياتنا. لذا فإن الأفكار المفلترة أو المغربلة تؤدي إلى كل النتائج غير الصحية.
.
بعض أنواع الأفكار هي : العشوائية، والواعية، والقادمة من “الأثير”.
.
الأفكار العشوائية تقفز إلى ذهنك فجأة. وقد تحفزها أشياء متنوعة، كحصول شيء في عالمك الخارجي، أو ذكرى حدث سابق، أو التنبؤبحدث في المستقبل.
.
وهذه الأفكار العشوائية تتراوح بين التي لا تؤذي “ياه، ترى ما هي أحوال صديقي الذي كان معي في الثانوية؟” إلى الأفكار التي قد تمنعك من النوم ليلاً. هذه الأفكار تجبرك على إعادة إحياء مواجعك، والقلق على مستقبلك، أو الدفاع عن نفسك داخلياً في جدال قديم مضى وقته.
.
وإذا لم تعالج هذه الأفكار، فهي التي تقودك إلى الاكتئاب، أو الغضب الشديد، وغيرها من الحالات المشابهة.
.
ثم تأتي الأفكار التي “تنتجها” واعياً: مثل الأفكار التي تستخدمها عند العمل، أو التخطيط، أو الفعل. هذه هي الأفكار التي تجعلك تضع يدك على فأرة الكمبيوتر وتحركها إلى الأسفل، إلى غير ذلك من الأفكار.
.
وأخيراً، يذكر العديد من المؤلفين المعتبرين، بما فيهم نابليون هيل، صاحب كتاب “فكر تصبح ثرياً”، أن هناك أفكاراً تأتي من “الأثير”. تلك هي الذكريات والأفكار الجماعية للجنس البشري. وليست لدي على أية حال أي فكرة عما إذا كانت قد خطرت لي فكرة من ذلك النوع. لذا لا يمكنني أن أضمن صحة تلك الفكرة.
.
لكن ما أنا واثق منه هو أن الأفكار –بغض النظر عن مصدرها- تتفاوت بين التي تأخذك إلى السماء والتي تأخذك إلى الجحيم.
.
* كيف تأخذك الأفكار عالياً إلى السماء أو أسفلاً إلى الجحيم
.
بالرجوع إلى مثال الدائرة. فباعتبار النقاط الخارجية تمثل الأفكار التي تأتي إلى الوعي، فإن على تلك النقاط أن تدخل الدائرة وتخرج منها بيسر وسهولة. وهذا ما يجب أن تفعله الأفكار، سواء أكانت جيدة أم سيئة.
تعبر الفكرة خلال وعيك دون أن تتعرض لأي إعاقة
وتخرج
إذا كان بإمكاننا أن نبقي أفكارنا كذلك، فلا يهم عندها إذا كان بإمكاننا أن نتغلب على الإيجو. فبتجاهل الفكرة وجعلها تعوم إلى خارج وعينا، فإنها لن تفعل أي شيء، حتى لو فترتها فلاترنا.
.
تأتي الفكرة إلينا، فنحصد النفع منها، وندعها تذهب إلى الخارج. نعم، إن كل فكرة هي لصالحنا، حتى إذا لم نرها كذلك. على سبيل المثال، إن الأفكار عن آلام الماضي والتي تأتي إلى ذهنك مكرهاً، تحاول أن تحميك من ألم مشابه قد يحصل في الحاضر أو المستقبل.
.
إن الأسلوب الذي نتعامل به مع هذه الأفكار هو الذي يجعلها مؤلمة أو غير مؤلمة. فإذا تركنا الذكرى تعوم عبر وعينا، فقد تذكرنا بلحظة صغيرة من خطأ قمنا به في الماضي وتمنعنا بذلك من الوقوع في نفس الخطأ مجدداً. وذلك ممتاز، والفكرة بذلك تكون قد أدت مهمتها، دون أن تسبب لنا أي ألم.
.
إن ذلك “العبور” للأفكار هو طبيعي بالنسبة لبعض أفكارنا المنتجة. مثلاً “مقال جيد، استخدم الفأرة، اعمل سكرول إلى الأسفل، اقرأ المزيد… وهكذا”
.
هل تركز على فكرة سحب الماوس تلك؟ هل تشغل بالك؟هل تفكر باستخدام الماوس وسحبها كل يوم وأنت تقود سيارتك إلى العمل أو وأنت مستلق في سريرك ليلاً تحاول النوم؟
.
لماذا لا تفعل؟ لأنها لا تشمل الإيجو، ولا تتضمن أية عواطف. فهي مجرد فكرة قديمة صريحة مملة – وفي الحقيقة فإن كل فكرة هي كذلك، حتى تشحنها عاطفة ما، أو تتغربل خلال الإيجو.
.
إن ذلك المرور العابر السريع للأفكار يجب أن ينطبق على كل أفكارنا. لكنه لا يفعل.
.
بسبب وجود الإيجو والعواطف المشمولة في الفكرة، هناك شيء في داخلنا يجعلنا نرغب في التركيز على الذكريات السيئة، وقلقنا على المستقبل، وجدالاتنا وشجاراتنا.
.
لذلك فما نفعله يشبه الإتيان بعدسة مكبرة وتسليطها على هذه الفكرة أو تلك. وهنا بيدأ الألم.
المجهر أسفل الفكرة
وبتسليط المجهر على الفكرة وتكبيرها zooming لا يعود بإمكان الفكرة أن تنزلق خارج وعينا. وذلك يشبه وضع عدسة معكوسة فوق حشرة ما. فالعدسة المكبرة ستحشرها تحتها وتضخمها في نفس الوقت.
حبس الفكرة وتضخيمها
وتصبح الفكرة بذلك تشغل حيزاً كبيراً من وعينا. وتحكم قبضتها علينا. وتشغلنا إلى درجة أننا لا نستطيع أن نؤدي وظائفنا كما ينبغي. وكلنا نعلم كم هو صعب ذلك الإحساس.
.
إنه مؤلم لأنك لا تدرك أن الإيجو هو وراء ذلك. ومعظم الناس على هذا الكوكب هم كذلك. فالفكرة، أو الشجار، أو الدور، أو الجدال، أو أياً كان ما نركز عليه، يسيطر عليناً بالكامل لأنه شغل حيزاً ضخماً من وعينا لدرجة أننا لم نعد ندرك أنه مجرد فكرة. لقد أصبحنا مرتبطين بالفكرة ومعرفين لأنفسنا من خلالها حتى أصبحنا نحن الفكرة.
.
عد بذاكرتك إلى جميع لحظاتك التعيسة. أليس ما قلناه صحيحاً بالنسبة لها؟ وبقدر ما تضخم الفكرة،وبقدر الوقت الذي تحبسها خلاله داخل وعيك، قد تصبح نكداً، أو تعجز عن النوم، أو تختلق المشاجرات من لا شيء، أو تفقد أعصابك، أو تغضب، أو تضرب الجدران، أو تصاب بالاكتئاب، أو حتى تقتل نفسك.
.
وأسوأ ما في الموضوع عند تضخيم أي فكرة، هو أنها تترك أثراً أو بصمة على نفسيتنا حتى بعد أن تنتهي.
.
لنعد إلى مثال دائرتك ولنقل أنك أحضرت المجهر وسلطته على فكرة ما داخل الدائرة، فبعد زوال الفكرة ومرورها إلى الخارج وبعد أن ترفع المجهر، ستجد أن المجهر قد ترك أثراً معتماً في دائرتك. وكلما مرت خلاله فكرة مماثلة، تصبح بقعته المعتمة أعمق وأوضح، حتى تصبح مغروسة بعمق في وعينا.
الأثر الذي يتركه التضخيم
.
.
لماذا ليس من السهل على الجميع أن يدع الأفكار التي تخطر له تمر من دون أن تضايقه؟ أو بالأحرى، ما الذي يحاول الإيجو فعله لإعاقة ذلك المرور السلس للأفكار؟
.
** نحن نفضل أن نكون على صواب على أن نكون سعداء **
.
إن السبب الرئيسي وراء ذلك يعود إلى الأدوار التي يلعبها الإيجو. إن بعض أكبر الأدوار هي تلك التي تتعلق “بكوننا على صواب”، أو “أفضل” أو “أدنى”. فبالنسبة لمن هو تحت سيطرة الإيجو، فهو يفضل أن يكون واحدا من أولئك على أن يكون في حالة سلام نفسي.
.
لماذا لا نستطيع أن نتجاوز جدالاتنا الماضية؟ لماذا لا نستطيع أن نتجاوز آلامنا القديمة؟ لماذا تجعلنا الجدالات نفقد أعصابنا؟ لماذا تستدعي الكلمات الغاضبة لدينا ردات فعل تختلف عن تلك التي تستدعيها كلمات الود؟
.
لأن كلمات الغضب أو الود تدخل أيضا في عمل تلك الأدوار والفلاتر؛ إننا ننجر للدفاع عن تلك الأدوار، ونحن نفضل أن نكون على صواب على أن نكون سعداء. إننا نفضل أن نعيش من جديد أحداثا معينة، حتى نشعر أن مواقفنا في تلك الأحداث كانت مبررة، حتى تأتي عقولنا بطرق جديدة ندافع فيها عن أنفسنا. ولا يهم أن ذلك الحدث الذي نستدعيه قد حدث في الماضي إلى درجة فقد فيها كل صلته بالواقع ولم يعد بإمكانه أن يؤثر في حياتنا.
.
وبنفس الطريقة، نفضل أن نهاجم أو نغتاب أو ندين الآخرين حتى نشعر بالسمو أو بأننا أرفع منزلة على أن نشعر بالسلام النفسي. والغريب في الأمر، هو أننا نفضل أيضا أن نشعر بالدونية على أن نشعر بالسلام النفسي، فكثير من القيل والقال وتعظيم المشاهير، وغير ذلك من ممارسات يومية، يجعلنا نشعر بالدونية.
وبالنسبة للإيجو الصغير داخلنا، أي هوية في العالم هي أفضل من لاشيء، وحتى لو كانت هوية مسكنة أو هوية مثيرة للشفقة.
.
كيف نوقف كل ذلك الجنون؟
.
** بداية الحرية .. ترك الأفكار تمر **
.
لعلك أصبحت تعلم الآن أسرع طريقة لتحرير نفسك من كل ذلك الألم, فبمجرد أن تكون واعيا إلى أن كل ذلك الالم ناتج عن مجرد “فكرة”، تكون قد خطوت الخطوة الأولى.
وعندما تفهم كيف تعمل الأفكار، فإنك تفهم أيضا كيف تسبب الأفكار الألم. وعندما تدرك حاجة الإيجو إلى التركيز على تلك الفكرة، وكفاحه في سبيل حاجته إلى أن يكون على صواب أو كفاحه من أجل هويته أو شخصيته، سيكون ذلك رائعا بالنسبة لك.
.
فأنت بذلك تدرك أنه من الجنون أن تستمر في القتال مع خصم هو مجرد خصم تخيلي. من الجنون أن تنزعج وتجهد نفسك بسبب موقف أصبح في الماضي وبالتالي ليس له أي وجود فعليا. من الجنون أن تجهد نفسك وتقلق بشأن موقف في المستقبل أيضا، هو أيضا موقف لا وجود فعلي له.
.
وبحيازة ذلك الإدراك، يصبح كل ما عليك فعله هو أن تترك الفكرة تطفو، كأي فكرة منتجة. وقد تعود لتنزلق أحيانا، ولكن ذلك سيحدث فقط لأنك اعتدت فعل ذلك لسنين طويلة. ومتى أصبحت يقظا لذلك ايضا، فقد أصبحت تحوز حريتك بالفعل.
.
احصد الفائدة من تلك الأفكار، فإذا كانت فكرة تدعوك إلى القلق من المستقبل، فلتقم إذا باتخاذ أي خطوات لازمة، قم بالتحضير لكل ما قد يدعوك إلى القلق، ثم دع الفكرة تنزلق إلى حالها. وإذا كانت الفكرة تتعلق بموقف مؤلم يخص الماضي، فربما تكون قلقا في الحقيقة من أن يتكرر ذلك الموقف مجددا، قم في هذه الحالة أيضا بالتحضير لذلك. إذا كان ما يزعجك يتعلق بالحاضر، احصد الفائدة من ذلك القلق ودعه يمضي أيضا. اترك كل ما يزعجك من أفكار وأشخاص في حاضرك.
.
** لا تدع نفسك تشعر بأنك مخطئ **
.
عندما اكتشفت موضوع الإيجو لأول مرة وكم من الألم كان يسبب لي، بدأت بشيطنته. وأصبحت أتساءل: كيف كنت، أو كان الإيجو الذي يخصني، بذلك الحمق؟ وكم من الألم كان بإمكاني أن أتفادى لو كنت أعلم بشأنه؟ وكيف يمكنني أن أدمر هذا الإيجو، أنا أكره الإيجو، أود لو أنني لم أمتلك الإيجو في حياتي!
.
كيف يبدو ذلك الكلام السابق؟ هل يبدو كلاما من اللب أو القلب الحقيقي؟ هو ليس كذلك.. من المتحدث إذا؟ إنه الإيجو فعليا!! أليس كل ذلك التذمر بشأن الإيجو شبيها بكل ما كنا نتحدث عنه في السابق؟ فنحن كنا نتحدث عن قيام الإيجو بالتذمر من ماض لم يعد له وجود. يريد أن يتأكد من أن المستقبل سيكتنفه السلام، ولكن المستقبل لا وجود له ليكون المستقبل منذ الآن مكتنفا بالسلام. إ ن اللحظة الوحيدة التي يمكن أن نعيشها بسلام هي هذه اللحظة “الآن”، لأن “الآن” هو فقط ما له وجود.
.
كن متيقظا إذا لذلك الفخ. فلا شيء يدعو إلى الخوف. الإيجو ليس “مخطئا”. إنك بتخطيئك لنفسك لامتلاكك الإيجو تعبر عن المزيد من الإيجو فقط. وليس هناك ما عليك أن تكافحه. إن كفاحك ضد الإيجو هو مزيد من الإيجو. كل ما عليك فعله هو أن تميز فعل الإيجو في كل مرة يحاول فيها أن يتدخل، وأن تجعل الأفكار تتركك بسلاسة.
.
كل ما عليك إذا هو أن تكون “متيقظا”، وأعني بذلك الانتباه إلى الإيجو. كن منتبها من “المصافي” أو المرشحات التي تعبر الأفكار من خلالها وتتنخل، وانتبه دائما إلى أن الإيجو بمصافيه أو فلاتره هو ما يدفعك للتصرف على ذلك النحو أو التفكير بتلك الأفكار. والأهم من كل ذلك، هو أن تنتبه إلى العدسة المكبرة التي تضعها على كل فكرة، انتبه إلى ذلك الجزء منك الذي لا يريد الإفلات من الفكرة وتركها تمضي خارج وعيك.
.
وليس غريبا أن علم النفس الحديث يوصي بفعل الشيء نفسه، فقط باستخدام تسميات أخرى.
.
** ليست كل المرشحات (المصافي أو الفلاتر) مضرة لنا.. أليس كذلك؟ **
.
لا بد أنه بإمكانك عند هذه النقطة أن تفكر في بعض المرشحات التي كانت مفيدة بالنسبة لك. فبعض الأفكار تبدو جيدة، تنتج بعض الانفعالات والمشاعر الرائعة، وبعضها قد يجعلك قويا أو ثريا.
.
هل تتذكرون جون؟ رجل الأعمال الافتراضي الذي يتعرض للإفلاس والذي تحدثنا عنه في السابق؟ للتذكير فإن أفكار جون تبدأ على النحو: “إن تجارتي قد تعرضت للإفلاس”. تلك العبارة هي حقيقة من الحقائق، وهي محايدة، لا جيدة ولا سيئة.
.
بعد أن تمر تلك الفكرة عبر مرشحات “الوفرة” عند جون، فإنها تصبح على النحو: “صحيح أن تجارتي قد تعرضت للإفلاس، ولكن لا بأس، فسأصبح مليونيرا من جديد خلال سنة واحدة”.
.
نفس الفكرة حين تعبر من خلال مرشحات زوجته فيفان، تصبح على النحو: “إن تجارتي قد تعرضت للإفلاس، يا إلهي، ما العمل؟ سينتهي بي الأمر نائمة على الأرصفة! لا أحد سيحترمني بعد الآن، وسأخسر اصدقائي!”
.
ما الذي يعنيه ذلك الآن؟ أن تعدل مرشحاتك حتى تحصل على السلام؟ ولكن ألم نقل سابقا أن المرشحات تغطي السلام الحقيقي في داخلك؟ ..
.
حسنا، لعل الإجابة على ذلك هي نعم ولا في نفس الوقت.
.
فكلما كنت واعيا إلى مرشحاتك بشكل أكبر، كنت واعيا أكثر. وذلك يعطيك المزيد من السيطرة على الأفكار التي عبرت من خلال مرشحات سلبية. وبالممارسة، يمكن أن تعدل مرشحاتك لتصبح إيجابية، وذلك هو مصدر القوة والمشاعر الرائعة.
.
ولكن عليك أن تميز بين تلك المشاعر الرائعة والسلام الداخلي الحقيقي الذي ينبع من اللب. فالمشاعر التي تنتج عن المرشحات سيكون لها دائما مشاعر مضادة.
.
فمرشح من نوع “إن هذه الفتاة التي قابلتها حديثا ستجعلني سعيدا” له دائما شيء خفي يعاكسه في مكان ما. فلو تبين لك أنها لم تكن كما توقعتها، فإن الحقيقة المضادة تدخل على الخط، ويحدث الإحباط والجدال والحسرة.
.
ألا يصف ذلك معظم العلاقات العاطفية، وبالتأكيد معظم مصادر البهجة والسرور بغض النظر عن ماهيتها؟ هناك دائما فرصة لأن تنهار أو تحترق، وذلك ما يحدث عادة.
وفي نفس الوقت، من الصعب أن تمتلك مرشحا إيجابيا لكل موقف قد يصادفك في حياتك. جون مثلا لديه مرشح ممتاز عندما يتعلق الأمر بالنقود، ولكن كيف يستعامل مع المرض مثلا؟ كيف سيتعامل مع صدمة عاطفية؟
.
** الفرحة الحقيقية والزائفة، والحب الحقيقي والزائف **
.
إن الحب الحقيقي والفرحة الحقيقية ليس لهما من ضد أو معاكس، لأنهما لا يأتيان من مرشح أو فلتر ما. إن قلبك أو لبك الحقيقي لا يوجد له ضد أو عكس، فهو لا يسعى إلى أي شيء، الإيجو فقط هو ما يسعى إلى الأشياء. قلبك لا يتحدد او يتعرف بشيء معين، لذلك فهو لا ينزعج من أي خسارة. لا يمكن لأي شيء أن يعكره. لأنه من دون أي مرشحات، يكون كل شيء مجرد. الافكار عندها لا تضطر للمرور عبر أي مرشحات، وبدون مرشحات، ليس هناك ما هو جيد أو سيء، كل شيء مجرد فقط.
.
ومرة أخرى، كن حذرا. فإذا كنت في حالة ألم، اخرج منها؛ إذا كنت مريضا، اذهب إلى طبيب. إذا كنت في وسط حريق، أطفئها ! فأنا أتحدث عن الألم النفسي هنا لا الجسدي. إن الألم الجسدي هو دائما مؤشر على وجود خلل ما. إن علي التأكيد على ذلك، فقد قرأت عن بعض القصص المروعة عن بعض الناس الذين تمادوا في الممارسة التي نتحدث عنها، كفتاة مراهقة مثلا ماتت بسبب البرد حيث فكرت أنها بعدم مقاومة الشعور بالبرد ستجتاز الأمر، وذلك ليس ما أدعو إليه هنا. تذكروا، دعوا الفكرة تدخل، احصدوا الفائدة منها، ثم دعوها تغادر. هذا كل ما أقوله. فإذا كنت تشعر بالبرد فإن أفكارك ستخبرك بضرورة الذهاب إلى مكان دافئ، افعل ذلك! ولكن متى ما وصلت إلى هناك، دع الفكرة تتركك، فهي قد أصبحت من الماضي ولا حاجة إلى التذمر منها، دع الفكرة تنزلق من ذهنك.
.
هذا ليس مجرد تكلف روحاني، فأنا لا أكتب عن شيء لم يعمل معي شخصيا. وأنا لا أزعم أنني شخص مستنير، ولكنني قد استخدمت ما أحدثك عنه للتغلب على السلبية، من الاكتئاب البالغ إلى الهموم البسيطة.
.
هل يمكنك الآن أن ترى من أين ينبع الحب الحقيقي واللامشروط؟ إنك لا تستطيع أن تأمر نفسك بأن تمتلك محبة لا مشروطة. إن إخبارك نفسك بأنك ستحب شخصا معينا بغض النظر عما يفعله أو تفعله لن ينجح، لأن الإيجو هو الذي يتحدث إليك في هذه الحالة. فما الذي سيحدث لمحبتك اللامشروطة عندما يبدأ ذلك الشخص بالصراخ، أو عندما يغشك، أو عندما يأخذ بطاقاتك الائتمانية وينفق إلى حدها الأقصى؟
.
ستحاول أن تسيطر على الإيجو وتكافحه، في الوقت الذي عليك فيه أن تترك كل شيء يطفو ويمر. إن مكافحة اللاشعور ستجعلك تغرق فيه أكثر.
.
إنك بدون الإيجو لا تريد شيئا. لذا لا توجد شروط لمحبتك. لا شيء يمكن أن يجعلك تغضب وتتوقف عن حبهم. لا شيء تخسره بالنسبة لك. الحب مجرد. الفرحة مجردة. لا يوجد جيد وسيء. كل شيء مجرد وكما هو.
.
(ملاحظة: إن محبة شخص ما لا تعني أن عليك أن تتركه يفعل ما يشاء، فإذا كان يؤذيك، فإن عليك أن تفعل شيئا بخصوص ذلك ! )
.
** القوة الحقيقية والزائفة **
.
الأمر نفسه ينطبق على القوة. وعليك أن تميز بين القوة المادية والقوة الروحية. فتطوير مرشحات إيجابية قوية سيعطيك الكثير من القوة المادية.
.
ومع ذلك، ورغم أنني لا أستطيع أن أتحدث عن القوة الروحية –لأنني لست مستنيرا بعد- فإن لدي شعورا بأن تطويرك للمرشحات الإيجابية قد يضرك على المدى الطويل. قد يكون جيدا لك مؤقتا، ولكنه سيرسخ الإيجو بعمق شديد يصبح معه التخلص منه أصعب.
.
فالإيجو مهما كان إيجابيا، هو- بالنسبة لكثير من عظام المعلمين الروحانيين- عائق أمام النمو الروحي.
.
** إزالة الإيجو **
.
إذا، وللطموحين: كيف يمكن أن نزيل الإيجو؟ إن التيقظ والانتباه لا يبقيك فقط غير متأثر بالإيجو، بل يؤدي أيضا إلى تقليل وتصغير الإيجو ببطء.
لأنه إذا كان السماح للإيجو بالعمل على الأفكار سيقوي الإيجو، فإن عدم تغذيته بالأفكار سيجعله يتلاشى بالتدريج.
.
وبمعرفتك أنك تتصرف أو تستجيب أو تفكر تحت تأثير تلك المرشحات، فإنك تبدأ في رؤيتها على حقيقتها. وكلما كنت واعيا أكثر، كنت قادرا أكثر على اكتشاف الأنماط والأدوار والهويات التابعة لها. ويشبه ذلك كرة الثلج، تبدأ بطيئة، ثم تكتسب الزخم سريعا، لتبدأ في رؤية البدائل عن السلوك والتفكير بالطريقة التي كنت تتبعها طوال حياتك.
.
وعندما تطور الشجاعة والقوة الداخلية للبدء في التصرف بطريقة تتلاءم مع داخلك – اللب الذي يغمره السلام والحب والسرور- فإن كل تلك البقع ستتلاشى، فالإيجو لا يمكن أن يحيا من دون أفكار أو أفعال تغذيه.
.
قد يخطر للمرء هنا: وما الذي سيمنعنا من التصرف بطريقة أسوأ؟ متى ما عرفنا مرشحاتنا واكتشفنا أن بوسعنا أن نتصرف على نحو مختلف، لماذا لا نصبح أعنف وأسوأ مما كنا؟ لماذا لا نصبح أكثر أنانية؟
.
الإجابة هي أنه من المستحيل عمليا أن تكون واعيا وتختار إيذاء الآخرين. فإيذاء الآخرين يسبب شعورا سيئا لديك، وفي المحصلة أنت تؤذي نفسك بذلك، ولا أحد يختار واعيا أن يؤذي نفسه. الإيجو فقط قد يختار ذلك. فإذا كنت تتصرف بشكل سلبي -سواء كان ذلك التصرف كبيرا أو صغيرا- فأنت لست واعيا، أنت في هذه الحالة شخص غير واع لديه بعض المفاهيم والأفكار عن “الوعي” و”الروحانية” في رأسه.
.
وكيف نميز بين الأفعال الخيرة التي تأتي من الإيجو والأفعال الخيرة التي تأتي من اللب؟
.
كن منتبها، هل تريد الحصول على شيء ما من وراء التصرف بطيبة؟ عندما تبتسم لأحدهم أو تعاونه في شيء ما، هل تسعى إلى شيء من خلال ذلك؟ سواء كان التقدير أو العرفان أو المديح أو معروفا مقابلا؟ إذا كان الأمر كذلك فالإيجو هو مصدر تلك الطيبة. ولكن إذا كنت كنت تعطي بحق بدون التفكير في الحصول على أي شيء في مقابل ذلك العطاء، فإن ذلك الفعل ينبع من المساحات بين الإيجو؛ تلك المساحات من وعيك التي لم تلطخها بقع الإيجو.. من اللب.
.
** المعاناة والبقع **
.
هناك طريقة أخرى يمكنك من خلالها إزالة الإيجو؛ بأن تزيل، قطعة بقطعة، كل ما تتعرف وتتحدد من خلاله. لكن معظم الناس لا يأتون على هذه العملية باختيارهم، فهي تحدث لهم عوضا عن ذلك.
.
كيف تعمل هذه العملية؟
.
كما قلنا، فإن كل بقعة أو قطعة من الإيجو تمثل شيئا، مثل التحدد من خلال الأشياء، أو المجموعات، أو الجسم، وهكذا. فما الذي يحدث عندما يزال أحد تلك الأشياء؟
لنأخذ امرأة جميلة مثلا، تحدد نفسها من خلال مظهرها. ما الذي يحدث عندما تخسر جمالها؟ قد تكون الخسارة بطيئة وتدريجية، بفعل العمر مثلا، وقد تكون سريعة، كأن تتعرض إلى حادث يتركها مشوهة. لا فرق. وبغض النظر عما ستخسره، أكان مالا أو سيارة أو مكانة اجتماعية أو سياسية او حبيبا، فإن النتيجة واحدة.
إحدى البقع التي تلطخ دائرتها النقية التي تمثل لبها وإدراكها الداخلي (التي تحدثنا عنها في بداية الموضوع) سيتم اقتلاعها، (وذلك يشبه أن تزال من على النظارة الملطخة بشتى الصبغات والبقع، بقعة ما، ليصبح ما يرى من خلالها على حقيقته لا يتلون بلون آخر كما كان يحدث).. هذه البقعة التي ستقتلع هي البقعة التي تمثل “تحدد تلك المرأة بمظهرها”. وإذا لم ترد تلك المرأة اقتلاع تلك البقعة، فإن تلك العملية ستكون مؤلمة بقدر ما تؤلم عملية اقتلاع الذراع.
.
هنا نصبح أمام احتمالين:
.
الاحتمال الأول: الالم يسبب بقعة جديدة، ربما أكبر واقوى، لتحل مكان تلك البقعة. ما عساها تكون؟ ربما بوسعك أن تخمن. قد تكون المرارة أو الغضب أو السخط أو الإحباط أو السخرية. أو قد تكون لعب دور الضحية، فقد ينتهي الأمر بها إلى أن تصبح تشعر بالكبرياء عن طريق الشعور بالمظلومية، لتحصل على شكل ملتو من السرور عن طريق التذمر والنواح.
.
ردة الفعل تلك قد تحدث أيضا إذا قمت باختيارك بإزالة جزء من هويتك أو شخصيتك التي تتحدد من خلالها. فإذا كنت تتعرف من خلال المال، يمكنك أن تتبرع به كله لتصبح ناسكا. ولكنك في هذه الحالة قد تكون استبدلت بذلك الجزء من إيجوك جزءا جديدا؛ هوية “روحانية” وبالتالي “أفضل” من الناس العادية “الأقل” من الناسك!
تحذير: هذا ليس تشجيعا أو تزكية للقيام بأي فعل أحمق. فإذا كنت تتعرف من خلال مظهرك، فإن قيامك بتشويه نفسك ليس طريقا للاستنارة، ونفس الأمر ينطبق على التضحية بكل ما تملك. فأيا كان ما تتعرف من خلاله، يكفي أن تكون منتبها له وأن لا تتعلق به، ولا تجعله جزءا من هويتك.
.
ولكن ما الاحتمال الآخر؟
.
الاحتمال الثاني: بعد أن ينتهي الأثر الأولي للخسارة، وقبل تنصيب هوية جديدة، شيء في داخلك يلاحظ ذلك الحيز الذي تركته الخسارة. شيء في داخلك يلاحظ أن ما تبقى ليس الألم، يلاحظ أنه تحت كل تلك البقع لا يوجد مجرد فراغ أو موت. بل على العكس، كلما كان الخسارة أكبر وبالتالي الجزء المقتلع من الإيجو أكبر، انكشف جزء أكبر من اللب الحقيقي.
.
لذا فإن ذلك الجزء منك يحاول استكشاف ذلك اللب، لديه الفضول للمعرفة، ويتقبل الخسارة، ولكنه لا يتبع المحرك الغريزي الذي يدعوه لملء ذلك الفراغ الذي تركته البقعة ببقعة أخرى، بدور آخر، بمرشح آخر.
.
فما الذي تبقى؟ إنه اللب؛ الوعي الحقيقي. لا يمكن تعريف هذا اللب، لأن تعريفه سيختزله إلى مجرد مفهوم، وسيصبح جزءا من الشكل؛ الإيجو. ولكنني أعرفه عنه شيئا واحدا : انه جميل.
.